منذ بدء الخليقة وحتى نهاية القرن التاسع عشر لم تكن قوى الفيزياء والطبيعة تشهد الكثير من المنافسة من البشر ، فكل ما احتواه هذا العالم كان ينطوى تحت قدرات الطبيعة ويرضخ لقوانينها الصارمة ، ومع تقدم البشرية ومحاولة الإنسان تجربة كل ما لم تمكنه قدراته المحدودة من تحقيقه ، سيطرت فكرة تحدى الفيزياء ومراوغة قوانينها لصالح البشرية على مجريات التطور فى عدة مجالات ، وأهمها عالم السيارات .
فمع الزيادة المطردة فى معدلات السرعة للسيارات الحديثة ، ومع زيادة قسوة الفيزياء فى معاملة البشر كلما ارتفعت سرعتهم ، أصبحت الحاجة ملحة للوصول إلى طريقة يمكن من خلالها أن تصبح السرعة رفيقاً مطيعاً للبشر ودرب آمن يمكن من خلاله تجربة متعة الانطلاق بلا مخاطر .
فخلال المائة العام الماضية ظلت حوادث الانزلاق وفقد السيطرة على السيارات اثر الانطلاق بسرعة كبيرة هى السيناريو الأكثر تكراراً والأكثر حصداً للأرواح ، مما دفع بالسيارات إلى عهد جديد من أنظمة الثبات الالكترونى والتحكم فى السحب والتى تعمل على إبقاء سيارتك على الطريق وتحت السيطرة ، كى لا تصل انطلاقتك إلى نهاية ترى فيها العالم يهاجمك من كافة الجهات بحثاً عن ضحايا .
البداية !!
لم تبدأ أنظمة الثبات الالكترونى رحلتها بالشكل العصرى المعروف حاليا فى معظم السيارات ، بل كان الأمر فى البداية محاولة لتحسين انطلاقة السيارات القوية ، والتى ترغمها محركاتها على خسارة بعض الوقت فى الانطلاقة ، اثر انطلاق عجلاتها بسرعة كبيرة تفوق تماسكها ، مما يؤدى إلى دورانها دون تحرك السيارة ، ففى عام 1971 أطلقت بويك الأمريكية نظام تحكم مبدئى يتصل بدائرة الكترونية تتعرف على دوران العجلات من فرط القوة فتقلل من سرعة المحرك حتى يتسنى لتلك العجلات إيجاد التماسك اللازم للانطلاق ، وهو ما يعرف حاليا بنظام التحكم فى السحب أو TCS اختصاراً لـ ( Traction Control System ) أو يعرف كذلك باسم ASR اختصاراً لـ ( Anti-slip regulation )
ومن تلك النقطة استمر التطوير لتنتج أول نسخة عصرية بالمفهوم الحالى لأنظمة التحكم فى السحب من قبل مرسيدس – بنز أواخر الثمانينيات ، حيث تمكنت وقتها من زيادة القوة أو كبح اى من العجلات فى حالة فقدان السيطرة على السيارة ، وبفضل فعالية النظام انطلقت الشركات المنافسة للعمل على تطوير نسختها الخاصة ، وأبرزهم المنافسة الأشرس BMW التى وصلت فى أوائل التسعينيات لتطوير جديد للنظام يزوده بالقدرة على تقليل العزم المرسل إلى اى عجلة من العجلات الدافعة لتحسين أداء النظام .
ومن ثم تأتى مرسيدس – بنز من جديد لتطور برنامج الـ ESP ( Electronic Stability Program )المعروف حالياً بقدرته على قراءة اتجاه العجلات وبدن السيارة والتعرف على القوى المؤثرة على السيارة ككل والتعامل مع عشرات المعطيات لإعادة السيارة إلى مسارها الصحيح دون اى تدخل يذكر من السائق .
كيف يعمل نظام الثبات الالكترونى ( ESP ) ؟؟
البداية على طريق زلق وسيارة تسير على سرعة متوسطة ما بين 80 ـ 100 كم فى الساعة ، منعطف يغطيه الأشجار على الجانبين ولا يرى السائق ما داخل المنعطف ، وفجأة وفى منتصف المنعطف يجد السائق سيارة متعطلة على الطريق أمامه ، فيغير اتجاه سيارته من الانعطاف لليمين إلى اليسار لتفادى السيارة المتعطلة وبرد فعل سريع ، فيجد مؤخرة سيارته قد انحرفت عن المسار وأصبحت سيارته تواجه حافة الطريق ولا استجابة للمقود فى يديه .
ومن هنا يفترق السيناريو إلى طريقين ، طريق لا يوجد فيه نظام الثبات الالكترونى وتعتمد فيه فرص النجاة على مهارة السائق بشكل كلى ، وهى مهارة يجب أن تكون مرتفعة للغاية للتصرف فى مثل تلك الحالات ، وتظل فرص النجاة من فقد السيطرة على السيارة ضئيلة للغاية .
والسيناريو الآخر هو تدخل نظام الثبات الالكترونى لإعادة السيطرة على السيارة ، حيث تعمل فى تلك اللحظات الكثير من مستشعرات الحركة على قراءة عشرات البيانات مئات المرات فى الثانية الواحدة ، لترسلها إلى وحدة تحكم منفصلة خاصة بنظام الثبات الالكترونى ، لتحللها وتتخذ القرار فى أجزاء من الألف من الثانية .
فالنظام يتعرف على سرعة كل عجلة على حدة ، وسرعة دوران المحرك ، والسرعة المعشقة فى ناقل الحركة ، واتجاه العجلات الأمامية ، واتجاه سير جسد السيارة بشكل عام ، وحساب قوى الطرد المركزية المؤثرة على جسد السيارة اثر تغيير اتجاهها بشكل مفاجئ ، والكثير من المعطيات الأخرى ليواجه الموقف القائم .
هنا يتم دراسة الخيارات من قبل النظام لتحديد الخطة المناسبة لإعادة السيطرة على جسد السيارة وتوجيهه حيث تتجه العجلات ، فلدى النظام القدرة على كبح اى من العجلات بالمقدار المناسب ، ويمكن للنظام كذلك إرسال أو قطع القوة عن اى من العجلات أو المحاور ( حسب منظومة الدفع فى السيارة ) ، ويمكن للنظام كذلك زيادة أو الحد من سرعة المحرك .
وعبر تلك الأدوات يمكن للنظام أن يعيد السيطرة من جديد إلى السائق بمقاومة اندفاع السيارة خارج الطريق بقوى عكسية تعيدها إلى مسارها مرة أخرى .
ما مدى أهمية النظام ؟
يعد النظام فعالاً فى الكثير من المواقف التى يتعرض لها سائقى السيارات يومياً ، بداية من القيادة العادية على الأسطح الجافة والتى يمكن أن تفقد فيها السيطرة على السيارة اثر مرورها على سائل أو سطح زلق ، أو حتى انزلاقها اثر الانعطاف أو المناورة على سرعة من متوسطة إلى مرتفعة ، أيضا فى حالة القيادة على سطح زلق أو مبلل ، أو محاولة صعود مرتفع زلق ، أو القيادة الرياضية العنيفة والتى يمكن لنظام الثبات الالكترونى أن يحسن من أداء السيارة خلالها خاصة فى حالات ضعف الخبرة لدى السائق .
فعلى مدار سنوات أنقذ نظام الثبات الالكترونى الملايين من البشر حول العالم ، وتدخل لحمايتهم حتى قبل أن يعلم السائق انه على وشك فقدان السيطرة .
ففى دراسة أجريت بالولايات المتحدة ، أكدت هيئة سلامة الطرق الأمريكية المهتمة بأبحاث الأمان ، أن نظام الثبات الالكترونى قد ساهم فى الحد من الحوادث بنسبة تصل إلى 43% ، إضافة إلى 56% من الحوادث الفردية ، و من 77% إلى 80% من حوادث انقلاب السيارات .
ولهذا يعد نظام الثبات الالكترونى احد أهم وأكثر أنظمة الأمان فعالية اليوم ، وتسعى كافة الدول إلى تعميم استخدامه على كافة السيارات فى المستقبل القريب ، ولكن عليك أن تتذكر أن نظام الثبات الالكترونى ما هو إلا نظام مساعد يحاول الالتفاف على قواعد الطبيعة ليعيد سيارتك إلى مسارها ، وقد تنجح المهمة وقد تفشل ، ولا يبقى إلا القيادة فى الحدود الآمنة والالتزام بالسرعة القصوى لضمان الوصول سالماً ، فلا يمكن لنظام أيا كان مستوى تطوره أن يمنع قدر الخالق .
في حال أعجبك الموضوع كل ما اوده منك هو نشر هذا الموضوع عبر أدوات المواقع الاجتماعية التالية: ايقونة فيس بوك وتويتر و +1 فى الشريط التالى
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ارجو من الزوار المشاركة بتعليقاتهم والاجابة على التعليقات